مقالات طبية

حماية الاطفال المحتاجين لتدخل طبي بوجود نزاع أسري

صحة نيوز – تنص المرجعيات المعرفية المتعلقة بحماية الأطفال؛ بإن إخفاق والدي الطفل بتحمل مسؤولية تقديم الرعاية الطبية له، هو شكل من أشكال “إهمال الأطفال” ويهدد حياة الطفل مباشرة ويتطلب التدخل متعدد القطاعات الصحية والاجتماعية والقانونية، ويأخذ اشكالا متعددة من أهمها عدم الالتزام بتوفير وتنفيذ خطة العلاج التي وضعها أو وصفها الطبيب مما يؤدي إلى حدوث الضرر فعليا أو المخاطرة باحتمال حدوثه، أو قد يحدث بالتأخير في طلب الرعاية الطبية لحالة مرضية بها مؤشرات تستوجب التدخل الطبي العاجل. إن خطورة هذا الشكل من أشكال الإهمال على حياة الطفل تعتمد مباشرة على ماهية الحالة المرضية التي يعاني منها الطفل وعلى ما تتضمنه من مخاطر كامنة تهدد حياته في حال عدم تقديم الرعاية الطبية له.
جذور مشكلة إهمال تلبية احتياج الطفل للرعاية الطبية هي عبارة عن عوامل خطورة تتفق والنموذج البيئي متعدد الأسباب المتقاطعة مع بعضها البعض (1) فهناك عوامل متعلقة بالفرد كون أحد الوالدين او كلاهما يتصف بالجهل أو يعاني من الإدمان على الكحول أو المخدرات أو من أمراض أو اضطرابات نفسية، او من غياب المهارات الوالدية وغياب القدرة على التخطيط وهناك (2) العوامل المتعلقة بمدى واسع من اضطرابات العلاقة ما بين الوالدين وخاصة في الأسر الفوضوية، بما في ذلك انفصال الوالدين أو حدوث الطلاق بينهما، وأيضا اضطراب العلاقة ما بين أحد الوالدين أو كلاهما مع طفل غير مرغوب بولادته او طفل غير مرغوب بوجوده بالأسرة كان يكون غير شرعي أو معاق أو يعاني من أمراض خطيرة أو مزمنة، أما العوامل (3) المجتمعية التي قد تؤدي إلى إهمال تقديم الرعاية الطبية للطفل فتشمل الفقر والبطالة وغياب التأمين الصحي للأطفال أو وجود معيقات إدارية وتنفيذية في تطبيق هذا التأمين، وغياب أو ضآلة توفر الخدمات الصحية بالمجتمع المحلي، اما العوامل المتعلقة (4) بالثقافة الاجتماعية السائدة حول الأمراض الخطيرة او المزمنة أو الإعاقات، بأنها “قضاء وقدر” يجب تقبله والاستسلام له، أو انتشار أفكار من أن هذه الأمراض الخطيرة أو الإعاقات هي نتيجة خطيئة أو أرواح شريرة أو من فعل الشيطان، لا مجال لعلاجها، وكذلك أنتشار ثقافة الوثوق بعلاج المشعوذين أو العلاج الشعبي بالتعاويذ والتمائم.
أخذين بعين الاعتبار عوامل الخطورة السابقة فإن الأطفال الأكثر عرضة للإهمال بتقديم الرعاية الطبية لهم، هم الأطفال حديثي الولادة بتشوهات خلقية، أو الأطفال الخدج بولادة مبكرة أو ذو الوزن الأقل من الطبيعي، والأطفال الذين يعانون من الشلل الدماغي أو الإعاقات الشديدة أو الأمراض المزمنة المستعصية.
المرجعية القانونية:
إن الأساس في أي تداخل طبي أو جراحي، في الحالات العادية، أن يجرى برضى المريض أو ولي أمره فقد نصت المادة 2 من الدستور الطبي الأردني على أن “كل عمل طبي يجب أن يستهدف مصلحة المريض المطلقة وأن تكون له ضرورة تبرره وأن يتم برضائه أو رضاء ولي أمره أن كان قاصرا أو فاقداً لوعيه” كما نصت الفقرة ج من المادة 62 من قانون العقوبات على أن “لا يعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة. ويجيز القانون العمليات الجراحية والعلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط أن تجري برضى العليل أو رضى ممثليه الشرعيين أو في حالات الضرورة الماسة.”
ففي حال كان الإهمال بتقديم الرعاية الطبية للطفل برفض ولي أمره إجراء تداخل طبي أو جراحي، أو كان بطلب ولي أمر الطفل إخراجه من المستشفى وهو بحالة صحية حرجة رغم نصيحة الطبيب، وكان هناك مخاطر على صحة أو حياة الطفل، فيتوقع من الطبيب أن يبادر بطلب توفير الحماية الاجتماعية للطفل بإعلام وزارة التنمية الاجتماعية وتطبيق المادة 31 من قانون الأحداث التي نص البند التاسع منها على “يعتبر محتاجا الى الحماية او الرعاية من كان معرضاً لخطر جسيم إذا بقي في اسرته” وقد سمح قانون الأحداث بإن يتم إجراء الحماية هذا عاجلا وعلى مدار الساعة عن طريق مكاتب الخدمة الاجتماعية في إدارة حماية الأسرة أو مديريات التنمية الاجتماعية، وعقب هذا الإجراء تصبح وزارة التنمية الاجتماعية المسؤولة المباشرة عن كافة إجراءات علاجه وتقديم الرعاية الطبية له.
من الناحية الجزائية يشكل الإهمال برعاية الطفل صحيا أو هجره بالمستشفى جريمة بمرجعية المادة290 عقوبات التي تنص على “يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنة كل من كان والداً او ولياً او وصياً لقاصرٍ لم يكمل الخامسة عشرة من عمره او كان معهودا اليه شرعا أو قانوناً امر المحافظة عليه والعناية به، ورفض او أهمل تزويده بالطعام والكساء والفراش والضروريات الاخرى مع استطاعته القيام بذلك، مسببا بعمله هذا الاضرار بصحته، أو تخلى عنه قصدا او بدون سبب مشروع او معقول – مع انه قادر على اعالته – وتركه دون وسيلة لإعالته .وتكون العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره” وتتصف هذه الجرائم بأحقية قيام المدعى العام بالملاحقة دون تقديم شكوى محددة فقد نصت الفقرة ج من المادة 3 من قانون أصول المحاكمات الجزائية “إذا تعارضت مصلحة المجني عليه مع مصلحة من يمثله او لم يكن له من يمثله تقوم النيابة العامة مقامه”
الاستجابة:
يتوقع أن يتم التعامل مع حالات “الإهمال بتقديم الرعاية الطبية” للطفل، بمرجعية التشاركية للقطاعات الطبية والاجتماعية والقانونية لمحاولة تحديد جذور المشكلة بالاستناد لمبدئ المصلحة الفضلى للطفل وبأسلوب قائم على بناء علاقة ثقة مع والدي الطفل وعلى التعاطف وتجنب اللوم والتوبيخ، وإظهار التعاطف والرغبة بالمساعدة.
في حال وجود مؤشرات على إحتمال وجود مثل هذا الشكل من أشكال الإهمال أو التأكد من حدوثه، وبسبب المخاطر الكامنة التي تهدد حياة الطفل مباشرة بسبب مرضه، يتوقع من الجهات الحكومية الممثلة في وزارة التنمية الاجتماعية والنيابة العامة أن تتدخل مباشرة لتحمل مسؤوليتها بحماية الطفل اجتماعيا بما في ذلك ضمان تنقيذ كافة الإجراءات الطبية، وأيضا بالملاحقة الجزائية لولي أمر الطفل بما يتفق مع القانون.
إن توفير الرعاية الصحية هو حق أساسي للطفل ضمنه الدستور والاتفاقيات الدولية، وتتحمل الحكومة مسؤولية تنفيذه بما في ذلك الأطفال المتعرضين لمخاطر الإهمال بتقديم الرعاية الطبية لهم، ويتوقع من الحكومة أن توفر الحماية الاجتماعية لهؤلاء الأطفال بما في ذلك الرعاية الطبية، وهذا يتضمن أيضا تجاوز أي معيقات إدارية أو تنفيذيه لتطبيق التأمين الصحي للأطفال الذي ضمنته التشريعات الأردنية، فلا مجال للتراخي أو التأخير عندما تكون حياة الطفل المنبوذ او المهجور مهددة بالموت.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي
الخبير في الوقاية من العنف والإهمال

تعليقاتكم