اسرة و صحة

كيف تفهمين طفلك في مرحلة الرضاعة؟

إن الآباء الذين يأخذون بعين الاعتبار خصائص طفلهم الفردية ويتفاعلون معه على هذا الأساس بإيجابية، ولا يتركون سلوك طفلهم يؤثر فيهم بشكل سلبي، يستطيعون منذ البداية أن يقيموا بناء شخصية الطفل في الاتجاه السوي بسهولة ويسر.
أي أنهم يجعلون الحلقة المفرغة تسير في الاتجاه البناء وليس في الاتجاه الهدام، أما إذا لم يراعوا ذلك، فإن الأمور يمكن أن تسير من الصعب إلى الأصعب إلى الأشد صعوبة، وهكذا.
إن مراعاة الأم لهذا كله بالنسبة للرضيع؛ أي الطفل في السنتين الأولى والثانية من عمره، تحصل في نهاية هذه الفترة على طفل مشبع بالدفء والمرح والسعادة مستعدا للانطلاق إلى المرحلة التالية بكل ثبات وبدون أي صعاب.
والطفل في هذه المرحلة لا يطمع في أكثر من إشباع حاجاته الأساسية؛ حاجته إلى الراحة والبعد عن الألم، حاجته إلى التعلق والدفء العاطفي، حاجته إلى التنشيط، هذا إلى جانب حاجاته البيولوجية الأخرى من تغذية وهكذا.
وبناء على الأسلوب أو الطريقة التي تتبعها الأم في سبيل إشباع هذه الحاجات عند طفلها، يمكن أن تنمو لديه إما ثقة متزايدة فيمن حوله، أو انعدام تام لهذه الثقة، وفيما بين هذين الطرفين هناك بالطبع درجات مختلفة.
والهدف الأساسي الذي يعمل الوالدان على تحقيقه في هذه المرحلة هو إقامة علاقة من الثقة المتبادلة مع طفلهما، وتعد هذه الثقة هي الأرض الصلبة التي يستطيع الطفل أن ينطلق منها إلى المراحل التالية بكل ثبات.
أما إذا تزعزعت لديه هذه الثقة، فإنه يصبح كمن يقف على لوح من الخشب فوق بحر مليء بالأمواج، ولا أحد يعرف أين يمكن أن تعصف به هذه الأمواج بعد ذلك.
كيف يمكن أن تنمي لدى طفلك هذه الثقة؟
من المفيد تلخيص هذا في بعض المبادئ العامة البسيطة، وستكونين أحسن من حيث فهمك لطفلك، وإليك هذه القواعد:
– الفورية والثبات في استجابة الأم (أو الحاضن) بشكل عام لمؤشرات التوتر التي تصدر عن الطفل، وذلك بهدف العمل على إزالة هذا التوتر. فقد وجد أن الأطفال الذين لم تكن أمهاتهم يستجبن لحاجاتهم بشكل فوري في الأشهر الأولى من حياتهم، يميلون بعد ذلك إلى أن يصبحوا سريعي الاهتياج، وأصعب إرضاء وأقل إطاعة لأوامر ونواهي أمهاتهم عندما يصبحون أكبر سناً.
ولعل هذه النتائج تبين إلى أي مدى يتعارض الرأي العلمي مع الاعتقاد الخاطئ الشائع بأن الأم التي تسارع إلى الاستجابة لبكاء الطفل إنما تعمل على إفساده في مستقبل حياته.
– ضرورة التفاعل المستمر بينك وبين الطفل: ذلك التفاعل الذي تتخذين فيه موقفا إيجابياً فعالاً في حياة الطفل، فلا يقتصر نشاطك على مجرد الاستجابة لحاجته، وإنما تأخذين أيضا المبادرة في استثارته اجتماعياً وانفعالياً ومعرفياً، وذلك بالبقاء دائماً على اتصال به؛ تحتضنينه وتعانقينه وتتحدثين معه وتلاعبينه وتشتركين معه في ألعابه وغير ذلك.
– تشجيع الطفل على الاستطلاع الحسي والحركي والاجتماعي للبيئة التي يعيش فيها، والواقع أنه بتحقيق المبدأين الأولين يكون الوالدان قد كسبا ثقة الطفل فيهما وتعلقه الآمن بهما، والعلاقة المبنية على الثقة والتعلق الآمن هو من أهم العوامل التي تساعد الطفل على الاستطلاع المادي والاجتماعي لبيئته.
وعلى ذلك يصبح بإمكان الآباء أن يستخدموا هذه الثقة التي بنوها في أطفالهم للأخذ بيدهم وتقديمهم إلى الجديد وغير المألوف من الأشياء والأشخاص، والآباء في هذه الحالة يكونون أشبه بجزيرة الأمان التي ينطلق منها الطفل نحو عوالمه الجديدة، التي يلجأ إليها للحصول على الاطمئنان من حين لآخر.
– أن يقوم الوالدان بتشكيل البيئة المادية للطفل، بحيث تكون مناسبة لمستوى نموه، والفكرة الأساسية هنا هي أن يأخذ الآباء في الاعتبار منظور الطفل عند إمداده باللعب وغيرها مما يستثير حواسه وينشط إدراكه وتفكيره، إن جزءاً من وظيفة الوالدين هنا هو أن يأخذ الطفل المبادرة في التفاعل، لا أن يستجيبا إلى دعوة الطفل للانتباه فقط.
على الوالدين أن يبتدعا من المواقف والمثيرات ما يريانه مناسباً للطفل من حيث تنوع الخبرات التي يتعرض لها، ومن حيث فرص النجاح التي يمكن أن يمارسها.
– هناك فروق فردية في الحالات التي يكون عليها الطفل منذ اليوم الأول للولادة، فهناك من تسود لديه حالة الهدوء التام؛ ينام في هدوء ويستيقظ بدون جلبة، وهناك على العكس من تسود لديه حالة الهياج؛ بكاء وصياح معظم الأوقات وهكذا.
ولكن ما علاقة هذا برعاية الطفل؟ الواقع أن هذه الفروق في الحالات التي تلاحظ على المواليد منذ وقت مبكر جداً في حياتهم، لها أكثر من مضمون من حيث المسؤولية التي تقع على الوالدين في هذا المجال، وبالتالي من حيث النمو النفسي للطفل مستقبلا. فمعرفة الوالدين وفهمهما للحالة المزاجية للطفل تجعلهما في موقف أحسن من حيث توجيه عملية النمو، فمثلا إذا كان لدى الوالدين أطفال من النوع البطيء التكيف، فإن الواجب عليهما عندئذ ألا يتعجلوهم في تقبل المواقف الجديدة أو التكيف لها؛ إذ إن ذلك قد يؤدي إلى زيادة مخاوف هؤلاء الأطفال وميلهم إلى الانسحاب من هذه المواقف كلية.

تعليقاتكم